بسم الله الرحمن الرحيم
ما كل ما يلمع ذهباً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
رنَّ جرس هاتفي ساعةَ كنتُ فيها أنازع سكراتِ النوم بعد يومِ عملٍ شاقٍ و مضٍ لم يرحمْ مكاناً في جسمي إلا و قد ألبسه ألواناً من الإرهاق و التعب.
فقلتُ لنفسي بصوتٍ عالٍ و أنا مسجى كأني على فراش الموت: مَنْ هذا الذي يوم أن قسَّم الله الأذواق على البشر لم يكُ موجوداً.
و بصوتِ المتثاقلِ قلتُ: نعم.
فإذا بي أسمع صوتاً كأنما حاز صاحبه الجائزة الكبرى ؛لقد كان على الخط صديقي ( فالح ) قائلاً: لقد وجدتُها، و الله لقد وجدتها...
فقلتُ له و أنا أغالب النوم تعباً و عيناي بالكاد أفتحهما: ماذا وجدتَ يا فالح..
و الله وجدتها، و أخذ يكررها مرات و مرات و مرات.. طار معها طير النوم من عيني، فصرختُ فيه قائلاً: إنْ لم تخبرني الآن ما وجدتَ سأنهي المكالمة يا عدو الذوق..
و لم أنهِ كلامي حتى عاجلني، لقد وجدتُ فتاةَ أحلامي..
فقلتُ له: سامحك الله .. أليس لديك من الصبر شيءٌ حتى نلتقي عصراً ؟
فأجاب: الأمر لا يحتمل تأخيراً، و إني قادمٌ إليك الساعةَ، و أنهى المكالمة.
فقلت في نفسي و لم أبدها: سامح الله الصداقة..
و ما إن وضعتُ هاتفي حتى رن جرس آخر، غير أن هذه المرة كان جرس الباب، و كان فالحٌ الصديقُ العزيزُ بشحمه و لحمه خلفه، و كأنما كان يحدثني قبيل لحظات من ورائه.
فقلتُ: لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.. الصبر من عندك يا رب صبراً أعظم من صبر نبيك أيوب.
فتحتُ له البابَ، و لم يمهلني حتى يجلس؛ إذ أخذ بتلابيب جلدي قائلاً: باركْ لي يا أخي.
قلتُ: علامَ ؟!!
قال: باركْ لي يا صديقي لقد عقدتُ العزمَ يقيناً على الزواج بها.
فقلتُ: بمَن ؟!!
قال و كأني به مجنون ليلى: بتلك التي أسرتْ روحي عيناها، و سكنتْ سهام نظراتها سويداء قلبي ف
قلت و أنا أحدثُ نفسي يا ويلي قد خالف فالح تعليمات الطبيب فشرب من علاجه أكثر من المسموح له: هل تعرفها ؟!
قال: يكفيني أني فُتنتُ بما رأيتُ من وجهها.
فقلتُ: و ما رأيتَ؟
قال: رأيت عينيها، و آهٍ من جمالهما، ليتك تراها لصرعت أنت أيضاً.
قلتُ له: و هل يكفي جمال عينيها حتى تحكم على جمالها ؟!
قال: نعم يكفيني أنا..
فقلتُ: تمهل يا رجل، لا يخدعنك حمال العيون، فأنتَ لا تدري ما وراؤهما ؟
فقال: لا تحاول .. لا تحاولْ.
فقلتُ له: يوفقك الله..
و بعد شهرٍ عقد القرانَ عليها، و لقيتُهُ صباحَ يوم أن دخل بها، و قد تغيرت ملامح وجهه..
اقتربتُ منه قائلاُ له: نعم كيف حال قيسنا؟؟! ممازحاً له.
فتنهد طويلاً، أحسستُ معها كأنه يحتضر، ثم قال بعد أن صمت قليلاً: ما كل ما يلمع ذهباً.
ضحكت حتى دمعت عيناي و أنا أقول له: نعيماً عليك، فهذا جزاء كل عجول، و لقد صدق